الدكتور حسام أبو فرسخ
البورد الأمريكى فى علم الأمراض وفى الخلايا المرضية

تكمن أهمية الكشف المبكر عن السرطان هو إننا نستطيع إزالة هذا الورم مبكرا. من أقدم طرق الكشف المبكر على السرطان هى “مسحة عنق الرحم” والتى بدأت قبل حوالى مائة سنة ولازالت لأهميتها تحتل المرتبة الأولى لعمليات الكشف المبكر على السرطان. فماهى مسحة عنق الرحم؟ وكيف تعمل؟ وماهى الأمور التى تكشفها؟ وماهو الوقت المناسب لها؟ وكم مرة تعمل فى السنة؟
عنق الرحم يغطى عادة بنوعين مختلفين من الخلايا. الجزء الخارجي من عنق الرحم مغطى بخلايا “مسطحة” مثل التى تغطى جلد الإنسان الخارجي وهى خلقت لحماية أكبر من الاحتكاك خاصة فى منطقة معرضة للاحتكاك نتيجة الاتصال الجنسى. أما الخلايا الأخرى فهى تغطى قناة “عنق الرحم” (وهى القناة الموصلة بين عنق الرحم و الرحم) وهى الخلايا “العمودية” .
مسحة عنق الرحم تشمل أخذ عينة من عنق الرحم بواسطة فرشاة خاصة. وتدخل الفرشاة فى عنق الرحم داخل قناة “عنق الرحم”. بحيث تمسح الفرشاة كامل سطح عنق الرحم. وتوضع الخلايا على شريحة زجاجية ومن تم تصبغ هذه الشريحة بصبغات خاصة. الخلايا التى نستخرجها وتشمل الخلايا “المسطحة” والخلايا “العمودية” تدرس بعناية فائقة فى المختبر. تعطى هذه الخلايا عدة دلالات عن كثير من الأمراض فى الرحم، فى عنق الرحم وفى المهبل. هذه المسحة ينصح بها مرة كل عام لكل امرأة بالغة (ممكن أخذ عينات منها). وينصح بأخذها فى غير وقت الدورة الشهرية.
فما الذى تكشفه مسحة عنق الرحم.؟ تكشف هذه المسحة الأمور التالية:
1- كشف الأمراض السرطانية
لعل هذه هو السبب الرئيسى الذى بدأت من أجله “مسحة عنق الرحم”. فهى تكشف عن الخلايا التى بها تغيرات “القبل سرطانية”, وتسمى هذه dysplasia .فاذا وجدت مثل هذه التحولات “القبل سرطانية” فى الخلايا فانها تصنف حسب قربها من التحول الى سرطان الى ثلاثة أنواع : أنواع خفيفة التحول، متوسطة التحول وكبيرة التحول. فالأنواع الكبيرة التحول هى التى ممكن أن تتحول الى سرطان عنق الرحم خلال سنة الى ثلاث سنوات. أما “خفيفة التحول” فهى قد تأخذ من 15 الى 20 سنة لتتحول الى سرطان. وبالتالى نأخذ مؤشرات مسبقة بتحول الخلايا وبذلك نستطيع أن نعالج المريضة فى الوقت المناسب. للأسف فى بعض الأحيان تأتى المرأة فى مراحل متأخرة بحيث عندما نعمل لها هذه المسحة نكتشف أن عندها سرطان فى عنق الرحم. ويكون ذلك عادة لإهمال المرأة بنفسها وعدم أخذها عينات ” مسحة عنق الرحم” فى مرحلة مبكرة من حياتها. كما أن مسحة عنق الرحم تساعد فى اكتشاف سرطان الرحم. وعادة ما تأتى المريضة الى الطبيب بسبب نزيف غير عادى من المهبل. فعندما نفحص “المسحة” نكتشف أنها تحتوى على خلايا سرطانية من الرحم. وبذلك نساعد المريضة على علاج الورم مبكرا. من نتائج هذا الفحص الروتينى أن نسبة سرطان عنق الرحم قد قلت كثيرا فى البلاد الغربية اذ تكتشف معظم النساء قبل ظهور السرطان.
2- كشف الالتهابات المهبلية . هذه الالتهابات فد تكون التهابات جنسية أو غير جنسية.
أ‌- مرض “كثرة البكتيريا”. تستطيع هذه المسحة أن تكشف ان كان هناك بكتيريا غير طبيعية تودي إلى إفرازات غير طبيعية. فالمعروف أن المهبل الطبيعى يحوى على بكتيريا عصوية. هذه البكتيريا مهمة لإيجاد وسط مائل للحموضة فى المهبل وهو مهم لصحة المهبل. وتستمد البكتيريا حموضيتها من تكسر الخلايا السطحية “المسطحة” المغلفة للمهبل. فان أخذت المرأة بعض المضادات الحيوية أو كانت تعانى من أمراض معينة مثل السكرى أو أمراضا أخرى، أو كانت تمارس الجنس مع أكثر من رفيق، فانها قد تحول البكتيريا العصوية الطبيعية الى بكتيريا أخرى تغير من طبيعية السائل فى المهبل ممايؤدى الى إفرازات من المهبل وقد تكون مصاحبة لحكة مع رائحة كريهة . وعلاجها يكون بإعطاء بعض المضادات الحيوية لاعاداتها الى التوازن الطبيعة.
ب‌- و تكشف أمراض الفطريات والتى تسبب بالإضافة الى إفرازات المهبلية الغير طبيعية، حكة فى منطقة الأعضاء التناسلية . وأشهر هذه الفطريات هى “الكانديدا”. الحكة الصادرة من المريضة تؤدى الى احمرار فى المنطقة المحيطة بالمهبل. تعالج مثل هذه الحالة بإعطاء كبسولات تحتوى على مضاد للفطريات مثل “الكانستين”.
ت‌- أمراض الطفيليات : يؤدى تكاثرها إلي إفرازات غير طبيعية مع رائحة كريهة وحكة فى الجلد. ومن أشهر هذه الفطريات هى “ترايكوموناس”. وتنتقل عادة عن طريق الاتصال الجنسى. ويتم التشخيص عادة برؤية عينة حديثة من عنق الرحم ويضع عليها نقطة من الماء لرؤية الطفيليات وهى تتحرك بسوط صغير تحت المجهر. كما يمكن رؤيتها بمسحة عنق الرحم عند صبغها بصبغات خاصة. وتعالج بإعطاء مضاد حيوي “مترانيدازول”. ويجب أن يعالج الزوجين معا لقطع دابر المرض.
ث‌- التهابات الفيروسات: تكشف هذه المسحة ان كان المريضة تعانى من التهاب الهربس. وهو من الالتهابات الجنسية. ان اكتشف انها تعانى من هذا الالتهاب، فيجب معالجتها بسرعة. كما أنه يجب أن تتجنب المرأة المصابة الولادة الطبيعية ان كانت حامل، لأن ذلك يؤدى فى غالب الأحيان لأمراض مميته أو معيقة للطفل المولود بمثل هذا الفيروس عند خروجه عن طريق المهبل. ويتم تشخيص هذه الإصابة ليس برؤية الفيروس نفسه حيث أنه صغير جدا. بل برؤية آثاره فى الخلايا. حيث ان الفيروس يصيب نواة الخلية ويدمرها ويؤدى إلى جسيمات داخل نواة الخلية مميزة لهذا الفيروس. فان شككنا بوجود هذا الفيروس فيعمل للمريضة فحص دم تأكيدي. ويعالج مثل هذا الفيروس بإعطاء دواء “أسايكلوفير” والذى يجب أن يعطى بعد استشارة الطبيب.
ج‌- ومن الالتهابات الفيروسية المنتشرة فى البلاد الغربية هو Human papilloma virus وبطلق عليه اسم HPV. وهذا من الفيروسات التى تنتقل عن طريق الاتصال الجنسى. مخاطر هذا الفيروس هو انه المسبب الرئيسي حول العالم لسرطان عنق الرحم. ويعمل هذا الفيروس عادة بالدخول إلى نواة الخلية “المسطحة” فى عنق الرحم. وبذلك يحول الجينات بداخل الخلية الى خلايا متكاثرة ومن ثم سرطانية. ويتم تشخيص مثل هذا الفيروس برؤية أثره على الخلايا المسطحة حيث أن النواة تكبر فى الحكم مقارنة مع حجم الخلية وتبدأ بتدمير نفسها. فاذا وجدنا مثل هذه الخلايا فاننا ننصح المريض بعمل فحوصات متقدمة لمعرفة نوع هذا الفيروس (حيث أن الأنواع التى تصيب الإنسان تزيد على 20 نوعا) وكل نوع له خطورة مختلفة عن الأنواع الأخرى : فأخطر الأنواع هو نوع رقم 16 و18. أما الأقل خطورة فهو نوع 31 و36. فتعطى النصيحة للمريض حسب نوع الفيروس والتغيرات التى أحدثها فى الخلايا المسطحة.

3- كشف ضمور المهبل: هرمون الانتوى “الاستروجين” يؤدى الى تغيرات ملموسة فى المهبل. فان كان هذا الهرمون بكمية ممتازة فان معظم خلايا المهبل تكون خلايا ناضجة وهنا أهمية لمنع وجود تقرحات فى المهيل خاصة عند الجماع. أما ان قل هذا الهرمون كما يحدث عند المرأة المخاض أو عند سن اليأس فان الخلايا المغطية للمهبل”الخلايا المسطحة” تصبح غير ناضجة وتؤدى الى جفاف فى المهبل وزيادة فرصة التقرحات عند الجماع وبالتالى الالتهابات. كما أنه بإمكاننا معرفة إن كانت المرأة فى سن اليأس

3- كشف تقرحات عنق الرحم: يغطى عادة عنق الرحم نوعان مختلان من الخلايا. الجزء الخارجي من عنق الرحم مغطاة بخلايا “مسطحة” مثل التى تغطى جلد الانسان الخارجى وهى خلقت للحماية الأكبر للاحتكاك خاصة فى منطقة معرضة للاحتكاك نتيجة للاتصال الجنسى. أما الخلايا الأخرى فهى تغطى القناة المؤدية من عنق الرحم الى الرحم وهى خلايا “عمودية” . هذه الخلايا قد تغطى فى بعض الأوقات المنطقة الخارجية من عنق الرحم. فإذا تعرضت هذه المنطقة إلى الاحتكاك خاصة عند الجماع أدت الى نزيف فى الدم وخروج دم من فتحة المهبل، خاصة بعد الجماع. وعلاج مثل هذه الحالة هو إعادة التوازن الى المنطقة عن طريق كى المنطقة فتعيد الخلايا “المسطحة” للنمو مكان الخلايا العامودية ويتوقف النزيف بعد الجماع. وتشخيصنا لمثل هذه الحالة يكون برؤية الخلايا العنقودية بكثرة فى مسحة عنق الرحم مصحوبة بدم ومتفاعلة فى شكلها بزيادة حجم خلاياها وحجم نواتها مقارنة مع غيرها من الخلايا. وبذلك يستطيع طبيب النسائية معرفة سبب النزيف ومعالجة المريضة.
4- الكشف عن بعض أسباب العقم عند النساء: حيث ان مسحة عنق الرحم تكشف ان كانت المريضة تعانى من نقص من بعض المواد الغذائية مثل “الفوليك أسد” بوجود بعض التغيرات فى الخلايا العمودية فى منطقة عنق الرحم، وبالتالى يصبح الوضع غير ملائم للحيوانات المنوية ويضعفها. وهذا من الأمراض المنتشرة فى المجتمعات الفقيرة قليلة التغذية.

5- كشف لحميات عنق الرحم: الخلايا العامودية والتى تغطى القناة المؤدية الى تجويف الرحم قد تتكاثر نتيجة لتعرضها الى التهابات او كثرة الاحتكاك أثناء الجماع فيؤدى الى تكون لحميات داخل هذه القناة. هذه اللحميات تكون عادة مصدر لنزيف دم من المهبل، وخاصة بعد الجماع. ولكنه قد يحصل بدون جماع. كما انه قد يسبب آلام فى أسفل البطن لكون اللحمية قد تقفل قناة عنق الرحم، فيتقلص الرحم لاخراج الدم (خلال فترة الحيض) أو إفرازاته فى أوقات مختلفة. ويكون التشخيص عن طريق وجود خلايا معينة فى المسحة تكون متفاعلة وأحيانا متجمعة على أشكال ثلاثية ويكون الوسط مليء بالدم.
picture_30_imageurl_a1
فرشاة مسحة عنق الرحم
picture_31_imageurl_a2
خلية مسطحة من خلايا عنق الرحم مصابة بفيروس HPV

Similar Posts