الدكتور حسام أبو فرسخ
استشاري تشخيص الأمراض والأورام السرطانية وعلم الخلايا المرضية
فى العشرين السنة السابقة بدأ العالم المتقدم يهتم بكشف السرطان مبكرا وفى متابعة السرطان اذا استئصل. فخرجت علينا مجموعة كبيرة من الفحوصات المخبرية المهتمه بذلك وسميت “العلامات السرطانية”. أن “العلامات السرطانية” هى مواد تفرز فى الدم غالبا ماتكون من أنواع الكربوهيدرات المعقدة. ومن الدم قد تخرج فى البول أو فى سوائل الجسم الأخرى. وتفرز هذه العلامات من أورام معينة أو نتيجة تفاعل الجسم مع هذا الورم. ووجود مثل هذه العلامات المختلفة يدل على نوع الورم. بعض هذه العلامات قد تفرز فى الدم بكميات قليلة من الخلايا الطبيعية الغير سرطانية نتيجة لتفاعل هذه الخلايا مع الجسم. ولكنها تزيد زيادات كثيرة فى حالة وجود الورم السرطاني. هذه العلامات عندما ترتفع تكون عادة ( ولكن ليس دائما) مؤشر لوجود ورم سرطانى فى الجسم. وتساعد الأطباء فى تحديد نوع الورم السرطانى أو حتى مكان وجوده. ولكن هذه العلامات قد لا تكون مرتفعة فى كل من عنده سرطان. وتتراوح عادة نسبة ارتفاعها الى 70-80% من المصابين بالسرطان. بعض هذه العلامات هى خاصة لنوع واحد من أنواع السرطان ولكن بعضها قد يشترك مع سرطانات أخرى فى سبب زيادتها. هذه العلامات تساعد الأطباء فى كثير من الأحيان فى مراقبة استجابة المريض لعلاج السرطان. ونحن سنستعرض هنا أهم هذه العلامات. العلامة الأولى Prostate Specific Antigen ويختصر عادة بكلمة PSA . فهذا الهرمون يفرز من خلايا البروستاتا الطبيعية والخلايا السرطانية على حد سواء وموجود فى الدم فى جميع الذكور البالغين. يزيد عادة PSA فى الدم فى حالات تضخم البروستاتا دون وجود ورم سرطانى وفى حالات التهابات البروستاتا. ولكن عادة هذه الزيادة تكون أقل من حالات الزيادة نتيجة وجود ورم سرطانى. وما يميز ادراكنا أن هذا ورم سرطانى أم غير سرطانى هو أن PSA عادة مايكون فى الدم موجود على شكل جزئين رئيسيين. جزء من هذه العلامة “مرتبط” مع البروتينيات فى الدم وجزء “حر” غير مرتبط بشيء. فسرطان البروستاتا عادة مايصدر PSA “المرتبط” ببروتينات الدم. فاذا ما عملنا فى المختبر فحص لكمية PSA الكلية وعملنا فحص آخر لكمية الجزء ” الحر” استطعنا تحديد ما إذا كان هذا الارتفاع ناتج عن زيادة PSA ” الحر” أم “المرتبط”. فإذا زادت نسبة الجزء “الحر” عن نسبة 20% من كمية PSA كان هذا الارتفاع ناتج عن زيادة غير سرطانية . أما إذا كان PSA “المرتبط ” هو السبب هذه الزيادة وكانت نسبة PSA “الحر” على PSA “الكلى” أقل من 10% فهذا يدل على أن PSA المرتبط ببروتين الدم هو سبب هذه الزيادة وبالتالى فرصة أن يكون هذا الارتفاع نتيجة ورم سرطانى عالية جدا. وينصح عادة لهؤلاء المرضى بأخذ عينة من البروستاتا عن طريق خزعة نقوم بها عن طريق فتحة الشرج ونأخذ حوالى عشرة عينات صغيرة من عدة أماكن من البروستاتا. فى إحصائية لسرطان البروستاتا قمنا بها فى مختبرنا لحوالى 350 حالة بأخذ خزعات من البروستاتا لمرضى يعانون من ارتفاع فى هرمون البروستاتا عن الحد الطبيعى، وتبين لنا بعد الدراسة المجهرية أن 44% من هذه العينات هى نتيجة أورام سرطانية. ولذلك ينصح بعمل PSA فى كل الرجال الذين يتجاوزون سن الخمسين حتى وان كانوا لايشكون من شىء. ويعتمد على هذا الهرمون بطريقة كبيرة جدا لمراقبة مرضى سرطان البروستاتا والذين تم علاجهم اما بالأشعة أو بالهرمونات أو باستئصال البروستاتا لمعرفة إن كانوا قد استجابوا للعلاج أم لا. فان كانوا قد استجابوا للعلاج فانه يهبط الى الحد الطبيعى أو الى الحد الغير ممكن قياسه (حسب نوع العلاج الذى أعطى له). أما ان كان هناك رجوع للسرطان أو عدم استجابة للعلاج فان الهرمون تزداد نسبته فى الدم باضطراد. العلامة الثانية : CA-125 وهو عبارة عن هرمون يصدر من مبايض المرأة . فعند المرأة البالغة هناك كمية طبيعية موجودة لهذا الهرمون فى الدم. هذه الكمية تزيد زيادة كبيرة فى حالات وجود ورم سرطانى فى المبيض. ولكنها أيضا قد تزيد فى حالات وجود أكياس فى المبيض سواء كانت حميدة أم خبيثة ولكنها تكون أكثر بكثير فى حالات ماتكون خبيثة. فائدة هذا الهرمون انه حساس لمرضى سرطان المبيض. خاصة ان علمنا أن سرطان المبيض هو من السرطانات الصامتة. ونعنى بذلك أنه قد لايظهر أية أعراض على المرأة المصابة به حتى يكون قد انتشر فى الجسم وأصبح فى مراحله المتأخرة. فوجود مثل هذه العلامة يفيدنا فى اكتشاف سرطان المبيض فى مراحله البدائية مما يزيد من فرصة علاج وشفاء المصابين به. أما ارتفاع هذا الهرمون عن نسبته الطبيعية فيجب أن يأخذ بحذر حيث أن النساء الذين يعانون من وجود بطانة الرحم خارج الرحم خاصة عندما تكون هذه البطانة فى المبيض فى مرض يسمى (endometriosis) يؤدى الى ارتفاع فى هرمون CA-125 لدرجة كبيرة فى الدم. ويعتمد على هذا الهرمون لمراقبة مرضى سرطان المبيض لمعرفة ان كانوا قد استجابوا للعلاج أم لا. فان كان قد استجابوا للعلاج فانه ينزل الى الحد الطبيعى أما ان كان هناك رجوع للسرطان أو عدم استجابة للعلاج فان الهرمون تزداد نسبته فى الدم. وينصح بعمل هذا الهرمون بشدة فى جميع النساء الذين يتجاوزون سن الأربعين.
العلامة الثالثة: وتعرف ب Carcinoembryonic Antigen وتختصر ب CEA وتفرز عادة فى الانسان الطبيعى بكمية قليلة ولكنها تزيد فى حالة سرطان القولون خاصة وسرطان المعدة والثدى والبنكرياس. وتستخدم بكثرة فى متابعة حالات سرطان القولون ومدى استجابتهم للعلاج. فعندما يستأصل سرطان القولون يجب أن يقاس كمية هذا الهرمون فى الدم. فاذا هبط الى المستوى الطبيعى استدل عليه بشفاء المريض .أما اذا ازداد الهرمون فى الدم دل على رجوع السرطان الى الجسم.
العلامة الرابعة : alpha-fetoprotein ويختصر ب AFP: هذه العلامة تفرز بكميات كبيرة فى الحالات الطبيعة فى الأجنة وهم داخل رحم أمهاتهم. ولكنه يقل كثيرا عندما يولد المولود وتكاد تكون غير موجودة عند البالغين. ولكنها تعاود الظهور فى الدم من جديد ان وجدت نفس الخلايا الموجودة فى الجنين ولكن فى هذه المرة عادة ما تكون خلايا سرطانية غير طبيعية. هذه العلامة تستعمل للكشف عن ثلاثة أنواع من الأورام الرئيسية: اولا : أورام السرطانية فى الخصية ثانيا: الأورام السرطانية فى المبايض، ثالثا: اورام الكبد السرطانية الأساسية. فأورام الخصية السرطانية قد تظهر فى الأطفال فى الخصية وقد يكون نفس نوع الورم يظهر فى الحوض أو فى الصدر. ويرتفع فيه هرمون AFP عن الحد الطبيعى. فعندما يكتشف زيادة فى هذا الهرمون يكون السرطان من الأنواع التى تحتاج الى العلاج الكيماوى. وقد يظهر هذا النوع من ورم الخصية في سن متأخرة فى العشرينات من العمر. وكذلك الحال مع هذا النوع من ورم المبايض عند النساء، قد يظهر فى الأطفال أو يتأخر أيضا فى العشرينات من النساء. أما الأورام السرطانية فى الكبد فهى تظهر عادة عقب التهابات الكبد الوبائية B أو C .فعندما يزيد هذا الهرمون يجب عمل أشعة مقطعية لتحديد ان كان هناك ورم فى الكبد أم لا. وان كان هناك ورم يجب أخذ عينات عن طريق خزعة من الكبد لتحديد ان كان هذا الورم سرطانى أم لا.
العلامة الخامسة : Human chorionic gonadotropin وتختصر عادة ب B-HCG : هذا الهرمون عادة مايفرز من مشيمة الجنين فى الحالات الطبيعية ويزيد الى أن يصبح فى الألاف وهو عادة يدل على وجود حمل عند المرأة الطبيعية . هذا الهرمون يفرز فى جميع حالات الحمل سواء أكان داخل الرحم أو خارج الرحم (فى الأنابيب مثلا) لكن نفس هذا الهرمون فد يفرز من الغدد السرطانية التى تشابه فى الشكل مشيمة الجنين وتؤدى الى سرطان خطير. ولعلنى أسرد قصة مريضة جاءت فى الساعة الثانية ليلا الى الطوارىء فى المستشفى الذى كنت أعمل به فى الولايات المتحدة تعانى من ألم شديد فى البطن. فعندما عمل لها فحص B-HCG فى الدم وجد أنه عالى جدا فتم تشخيصها على أنه حمل خارج الرحم. ,أجري لها عملية ولكن تبين أنها تعانى ورم فى المرارة . وعندما تم فحص هذا الورم تبين أنه ورم خبيث يفرز مادة B-HCG مما أدى الى ارتفاعه بشدة. وقد ماتت هذه المرأة بعد ستة أشهر من تشخيص هذا الورم. كما أن هذه العلامة قد تفرز من بعض أورام الخصية والمبايض و بعض سرطانات الرحم (مثل الحمل العنقودى) القابل للتحول الى سرطان فى الرحم.
العلامة السادسة وتسمى CA –19.9 :هذه العلامة تزيد فى الدم فى مرضى سرطان الفولون خاصة ومرضى سرطان البنكرياس. وكلما زادت، دل على وجود السرطان بكمية أكبر وأكثر انتشارا. فوجد أنه ان كانت كمية الهرمون تزيد على أكثر من 1000 وحدة / ملم فان احتمال وجود مرض سرطانى منتشر عالية جدا. ويستعمل هذا الهرمون فى متابعة مرضى سرطان القولون والبنكرياس بعد العلاج فان انخفض دل على الاستجابة للعلاج وان عاود الزيادة دل على رجوع السرطان إلى الجسم.
العلامة السابعة وهى CA-15.3 : وتستعمل هذه العلامة لمعرفة ان كانت المرأة مصابة بسرطان الثدى خاصة. وعادة مايزيد فى حالات سرطان الثدى المتأخرة , ولكنها أيضا قد تزيد فى حالات سرطان الرئتين والبروستاتا. وكغيرها من الدلالات تستعمل لمتابعة أثار العلاج ونجاحه فى الجسم.
العلامة الثامنة: 72.4 :هذا هو بروتين مكتشف حديثا ويزداد خاصة فى سرطان المعدة. ميزة هذه العلامة انها دقيقة جدا فارتفاعها حتى ولو كان طفيفا، يدل على أن السرطان موجود فى أغلب الأحيان.
العلامة التاسعة: Lactate Dehydrogenase: ويختصر فى LDH
وهذا هو انزيم وليس هرمون ويوجد طبيعيا فى عدة خلايا فى الجسم وزيادتها تدل على كثرة تكسر الخلايا وهذا يحدث فى الخلايا السرطانية المتكاثرة والتى مع سرعة نموها يزداد معدل موتها فتفزر هذا الانزيم بالدم فيدل على موت خلايا كثيرة وبالتالى تعطى مؤشر غير مباشر الى امكانية وجود سرطان سريع النمو فى الجسم. من هذه السرطانات والتى تؤدى الى زيادة فى هذا الانزيم هى سرطان الغدة الليمفاوية وسرطان الدم وسرطان الغدة الكظرية عند الأطفال Neuroblsoma .
العلامة العاشرة: هرمون الثيروغلوبيولن. وهى مادة تفرز من الغدة الدرقية. وارتفاعها عادة ما يكون نتيجة ورم سرطانى فى الغذة الدرقية. وان كانت أيضا قد ترتفع فى حالة وجود التهابات فى الغدة الدرقية. كما أن هذه العلامة مهمة جدا لحالات الغدة الدرقية التى تم استئصال الورم فيها لمعرفة ان كان الورم قد رجع أم لا.
العلامة الحادية عشر: هرمون الكرموغرانين: وهو هرمون يفرز من عدة أورام ومهم فى تشخيص بعض أورام الرئة عند الكبار أو ورم الغدة الكظرية عند الصغار. كما أنه أيضا يستعمل كدلالة الى رجوع الورم الى الجسم بعد استئصاله فى حالة زيادته مرة أخرى.
مما سبق يتبين لنا أن كل ورم فى الجسم يفرز علامات له فى الدم. بعض هذه العلامات هى خاصة بهذا الورم وبعض هذه العلامات قد تكون مشتركة مع أورام أخرى. ولكن ما يهم ان كان هناك زيادة فى أى من هذه العلامات هو إجراء فحوصات تثبيتية لنفى أو تأكيد وجود مثل هذه الأورام فى الجسم.
سرطان القولون كما يبدو بالمنظار
سرطان القولون بعد العملية الجراحية
سرطان الغدة الدرقية